من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم لفظ (الحق)، فهو لفظ ذو حضور بارز في العديد من الآيات القرآنية. ولا عجب في ذلك، فإن القرآن الكريم هو الحق القويم، ودعوة إلى الحق المبين.
نسعى في هذا المقال إلى الوقوف على أهم المعاني التي جاء عليها لفظ (الحق) في القرآن الكريم، مستبقين ذلك ببيان معناه اللغوي.
أصل (الحق) لغة: المطابقة والموافقة. والحق: الصواب والصحيح، وضده: الباطل. والحقيقة: ما يصير إليه حق الأمر. وحق الشيء: إذا وجب. يقال: حاق فلان فلاناً، إذا ادعى كل واحد منهما حقاً، فإذا غلبه على الحق، قيل: حقه وأحقه. واحتق الناس من الدَّين، إذا ادعى كل واحد الحق.
ويقال: أحققت كذا، أي: أثبته حقاً، أو حكمت بكونه حقاً. ويقال: حاققته فحققته، أي: خاصمته في الحق فغلبته. وفلان يحمي حقيقته، أي: ما يحق عليه أن يحمى.
و(الحق) - كما قال الأصفهاني - يطلق لغة على أوجه:
الأول: يقال لموجِد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق.
الثاني: يقال للموجَد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله الحق.
الثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق.
الرابع: للفعل والقول بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق، وقولك حق.
ولفظ (الحق) ورد في القرآن الكريم في مائتين وثلاثة وثمانين موضعاً، جاء في أكثرها بصيغة الاسم، نحو قوله تعالى: {إنا أرسلناك بالحق} (البقرة: 119). وجاء في اثنين وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {وحق عليهم القول} (فصلت: 25).
ولفظ (الحق) ورد في القرآن الكريم على معان عدة، نذكر منها:
جاء بمعنى الله سبحانه، من ذلك قوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض} (المؤمنون: 71). قال مجاهد وغيره: الحق هو الله عز وجل.
وجاء بمعنى القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم} (الأنعام: 5). قال البغوي وغيره: القرآن. ونحوه قوله سبحانه: {حتى جاءهم الحق} (الزخرف: 29). يعني: القرآن، كما قال الشوكاني وغيره.
وجاء بمعنى الإسلام، من ذلك قوله تعالى: {وقل جاء الحق} (الإسراء: 81). قال القرطبي: يعني دين الله الإسلام. ونحوه قوله سبحانه: {ليحق الحق} (الأنفال: 8). قال القرطبي: أي: يظهر دين الإسلام ويعزه.
وجاء بمعنى العدل، من ذلك قوله تعالى: {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} (النور: 25). قال ابن كثير: أي: وعده ووعيده وحسابه هو العدل، الذي لا جور فيه. ونحوه قوله سبحانه: {فاحكم بيننا بالحق} (ص: 22). قال الطبري: فاقض بيننا بالعدل.
وجاء بمعنى التوحيد، من ذلك قوله تعالى: {فعلموا أن الحق لله} (القصص: 75). قال ابن كثير: أي: لا إله غيره. ونحوه قوله سبحانه: {له دعوة الحق} (الرعد: 14). قال ابن عباس رضي الله عنهما: {دعوة الحق} لا إله إلا الله. وقال الطبري: عنى بالدعوة الحق، توحيد الله، وشهادة أن لا إله إلا الله.
وجاء بمعنى الصدق، من ذلك قوله تعالى: {قوله الحق} (الأنعام: 37). قال البغوي: أي: الصدق الواقع لا محالة، يريد أن ما وعده حق كائن. ونحوه قوله سبحانه: {ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق} (البقرة: 176). قال الشوكاني: أي: بالصدق.
وجاء بمعنى وجوب العذاب على الكافرين، من ذلك قوله تعالى: {ولكن حق القول مني} (السجدة: 13). أي: وجب العذاب مني لهم. ونحوه قوله سبحانه: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا} (غافر: 6). أي: كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله.
وجاء بمعنى الحق الذي يضاد الباطل، من ذلك قوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} (الحج: 6). أي: إنه سبحانه هو الحق الذي لا شك فيه، وأن من سواه باطل. ونحوه قوله سبحانه: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} (الأنعام: 62).
وجاء بمعنى الدَّين الذي في الذمة: من ذلك قوله تعالى: {وليملل الذي عليه الحق} (البقرة: 282). قال ابن كثير: وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدَّين. ونحوه قوله سبحانه: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا} (البقرة: 282).
وجاء بمعنى الأولوية والأحقية، من ذلك قوله تعالى: {ونحن أحق بالملك منه} (البقرة: 247). أي: نحن أولى بالملك منه. ونحوه قوله سبحانه: {فالله أحق أن تخشوه} (التوبة: 13). قال الطبري: فالله أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم، وتحذروا سخطه عليكم.
وجاء بمعنى الحظ والنصيب، من ذلك قوله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات: 19). أي: نصيب مقسوم. ونحوه قوله سبحانه: {والذين في أموالهم حق معلوم} (المعارج: 24). قال ابن كثير: أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات.
وجاء بمعنى الحاجة، من ذلك قوله تعالى: {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} (هود: 79). أي: ليس لنا فيهن حاجة.
وجاء بمعنى البيان، من ذلك قوله تعالى: {قالوا الآن جئت بالحق} (البقرة: 71). قال قتادة: الآن بيَّنت لنا. ونحوه قوله سبحانه: {وجاءك في هذه الحق} (هود: 120). أي: جاءك في هذه السورة بيان لخبر الرسل من قبلك.
وجاء بمعنى الإنجاز والتأكيد، من ذلك قوله تعالى: {وعدا عليه حقا} (التوبة: 111). أي: ما قضى به سبحانه أمر لا بد منه، ولا محيد عنه. ونحوه قوله سبحانه: {وكان وعد ربي حقا} (الكهف: 98). قال ابن كثير: أي: كائناً لا محالة.
هذه أهم المعاني التي جاء عليها لفظ (الحق) في القرآن الكريم. وبالوقوف على مدلولات هذا اللفظ يتبين لنا سعة دلالته، وسبب اعتناء القرآن به؛ تبياناً لمفاهيم الإيمان، وتثبيتاً لأحكام الإسلام.
المصدر: موقع إسلام ويب